-->

من أهان السلطان أهانه الله

قبل أن أخوض في القصد من العنوان أحب أن أسرد بعض النصوص النبوية الثابتة المتعلقة بحقوق ولاة الأمر على النحو التالي :
1. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: من أطاعنـي فقد أطاع الله، ومن عصانـي فقد عصى الله، ومن يُطع الأمير فقد أطاعنـي ومن يعص الأمير فقد عصانـي. رواه الشيخان
2. عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: ألا من ولـي عليه والٍ فرآهُ يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره الذي يأتي من معصية الله، ولا ينْزع يدًا من طاعة. رواه مسلم في صحيحه.
3. عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : سمعتُ رسول الله r يقول: سيكون بعدي سلطان فأعزوه فمن التمس ذله، ثغر في الإسلام ثغرة، ولـم تقبل منه توبة حتـى يعيدها كمـا كانت. حديث صحيح رواه أحمد، وابن أبي عاصم، وصححه الألباني.
4. عن أنس -رضي الله عنه- قال: نَهانا كبراؤنا من أصحاب محمد r قالوا: قال رسول الله r: لا تَسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب. رواه ابن أبي عاصم، وصححه الألباني.
5. عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: السلطان ظل الله في الأرض فمن أهانه أهانه الله، ومن أكرمه أكرمه الله. حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم، وأحمد، والطيالسي، والترمذي، وابن حبان، وحسنه الألباني.
6. عن عرفجة الأشجعي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: من أتاكم وأمركم جَـميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويُفرق كلمتكم فاقتلوه. رواه مسلم في صحيحه
7. عن عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، وليأخذ بيده فإن سَمع منه فذاك وإلاَّ كان أدى الذي عليه. حديث صحيح رواه أحمد، وابن أبي عاصم، والحاكم، والبيهقي، وصححه الألباني.
ومن المناسب كذلك أن أذكر بعض أقوال أهل العلم في أن لولي الأمر تأديب من يثبط عنه، وذلك دفعًا للشر قبل استفحاله، وحفاظًا على مصالح المسلمين، ولبيان الحكم الشرعي في هذه المسألة الخطيرة والتي يتهاون فيها كثير من الناس مما أحدث الفوضى والشك وعدم الثقة بين الحكام وشعوبهم في البلاد الإسلامية، مِمَّا أضعف الجبهة الداخلية في هذه الدول وبالتالي سهل هذا الوضع للدول المعادية للإسلام فرض ضغوط على الدول الإسلامية وشعوبها والسعي لإحداث تقسيم وشقاق فيها، وهذا تَحت شعار الديموقراطية وحقوق الإنسان وانساق وراء هذه الدعاوى كثيرٌ من الدعاة، ولَم يتبينوا الشراك الذي نصبته هذه القوي الاستعمارية ، لذا أطالب من منطلق النصوص السابقة ودرءً للمفاسد والفتن باستصدار تشريع خاص يعاقب من يتعرض للذات الرئاسية في الدولة عقوبة تناسب حجم الجرم ، وليس هذا من وحي خيالي أو من باب النفاق السياسي وإنما من وحي فهم النصوص الشرعية للعلاقة بين الرعية وولاة الأمر ، ولمزيد بيان أذكر بعض كلام الفقهاء في هذا الأمر :
1- قال العلامة ابن قُدامة -رحمه الله- في "المقنع مع الشرح الكبير ومعهم الإنصاف (27/98-1012) :
وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولَم يجتمعوا لحرب لَم يُتَعَرَّض لَهم، فإن سبوا الإمام [ الحاكم ] عَزَّرهم. [ أي عاقبهم ] اهـ لِمَا وقع منهم من الأذى وذبًّا عن منصب الإمام، فإن عَرَّضوا بسب الإمام [ الحاكم ] ولَم يصرحوا عُزِّروا أيضًا؛ لأن الإقرار على التعريض مفضٍ إلى التصريح، فكان التعزير حاسمًا لِمَا بعده من التصريح. انظر: الحاوي الكبير للماوردي (16/374) .
2- وقد نص العلامة السرخسي من الحنفية في كتابه "المبسوط (10/125) على أن من لَم يظهر منه خروج فليس للإمام أن يقتله ما لَم يعزموا على الخروج، فحينئذٍ ينبغي له أن يأخذهم فيحبسهم قبل أن يتفاقم الأمر؛ لعزمهم على المعصية وتَهييج الفتنة.
3- وقال ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام (1/227) :
ومن تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ويُسجن شهرًا... ومن خالف أميرًا وقد قرر دعوته لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام. اهـ
4- وذهب العلامة الشوكاني إلى وجوب تأديب المثبط - سواء كان تثبيطه بسبِّ الإمام أو بغير ذلك-، وأن التثبيط نزعٌ ليد الطاعة من الإمام، فقال -رحمه الله-: فالواجب دفعه -أي: المثبط عن ولي الأمر- عن هذا التثبيط، فإن كف وإلاَّ كان مُستحقًا لتغليظ العقوبة والحيلولة بينه وبين من صار يسعى إليه بالتثبيط بحبس أو غيره؛ لأنه مرتكب لِمحرم عظيم، وساعٍ في إثارة فتنة تُراق بسببها الدماء، وتُهتك عندها الحرم، ففي هذا التثبيط نزع اليد من طاعة الإمام أهـ
انظر: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (4/514) .
وهذا الحكم الشرعي من هذا الإمام الجليل في شأن الذين يُثبطون عن ولي الأمر تنبيه على وجوب وأد الفتنة في مهدها، والقضاء عليها قبل استفحالها، وذلك بِمَا يراه ولاة الأمر مناسبًا للجرم ومُحققًا للمصلحة دون حيف أو تقصير.
قلت : وبعد ذكر النصوص وآراء الفقهاء في حكم التعرض لولي الأمر بسوء أو بتجريح ظهر جليًا ضرورة إيجاد التشريع المقترح ذكره لردع السفهاء والرويْبضة ممن يتعرضون لولاة الأمر بالتجريح والسب أو التشكيك ، كما أحب أن أنبه إلى خطورة استمرار هذا النهج الفوضوي لما يحدثه من آثار اجتماعية سيئة ليس فقط على المستوي العام بل على المستوي الأسري الخاص ، حينما يري الناشئة محاولات التجريح لولاة الأمر عبر الصحف والكتب والفضائيات والأفلام والمسرحيات فمن يبقي من كبير لهؤلاء الناشئة ليحترموه ويوقروه والحال هو ما ذكر من إسقاط الرموز الكبيرة في الدولة ، وكيف سيكون الحال في المدارس والجامعات إلى أدني الكائنات الصغيرة التي تحكمها ولايات خاصة ، وليس معني إيجاد عقوبة رادعة لمن يتعرض بسوء لولي الأمر أننا نضفي عليه عصمة وإنما القصد هو المحافظة على هيبة السلطان ، ومن أراد أن يناصحه فعليه بالطرق المشروعة التي بينتها النصوص السابقة .
كما أن ولي الأمر قد نظم طرق مناقشة القضايا العامة من خلال القنوات الشرعية كمجالس الشورى والبرلمان والقومية المتخصصة ، ففرق كبير بين المناصحة بالآداب المذكورة وبين الممارسة الفوضوية المتبعة .
كما لا يفوتني أن أؤكد على حرمة الإضرابات والاعتصامات وتعطيل الإنتاج بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا ما أكدته النصوص المذكورة في صدر المقال ، ولقد أحسن البرلمان حينما سن تشريعًا بمنع المظاهرات من خلال المساجد ، وليته يكمل إحسانه بإصدار تشريع لمعاقبة من يجرح ولاة الأمر وكذلك معاقبة من يجرح أهل القدوة بعد رسول الله r من الصحابة والأئمة الصالحين .
ولست في حاجة للمطالبة بمعاقبة من يسيئون لذات الله أو ذات رسوله r لأن ذلك ردة وزندقة ثابتة بالنصوص وبالإجماع .


فى : التعليقات 0

ليست هناك تعليقات على : من أهان السلطان أهانه الله